الفتح
والأحرار::
الفتح بمعنى النصر والغلبة، وفي مدرسة عاشوراء لا يقتصر الفتح على النصر العسكري وكفى، بل يتعداه إلى إيقاظ الأُمّة وأحياء القيم وتمجيد الاسم والذكر،
والأهم من كل هذا هو العمل بالتكليف الشرعي، وهذه كلّها من أوجه النصر وان لقيت في الظاهر الإحباط والهزيمة.
كان سيّد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام ) يستهدف إنقاذ الدين من الضياع ، وفضح الظلم والظالمين والباطل. وقد تحقق له هذا الهدف.
إذن فهو قد انتصر حتّى وإن كان الثمن استشهاده هو وأنصاره وسبي أهل بيته (عليهم السلام ).
وبعد عاشوراء ظلّت الأهداف الحسينية حيّة ووجدت أتباعاً وأنصاراً لها. وتركت الواقعة تأثيرها في الأجيال والقرون اللاحقة، وصارت سبباً لنشأة الكثير من الحركات والنهضات الأخرى. وهذا يعدّ بذاته نصراً ساحقا.
وقد ورد هذا المعنى في جواب الإمام السجّاد (عليه السلام) على السؤال الذي عرضه على حضرته إبراهيم بن طلحة حيث سأله:
من الذي غلب؟ فقال له الإمام السجاد (عليه السلام):
(إذا دخل وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف من الغالب)..(أمالي الشيخ الطوسي:66)،
(الإمام زين العابدين للمقرم:370.).
وهي إشارة إلى بقاء دين رسول الله في ظل النهضة الحسينية. وقال أبو عبد الله الحسين (عليه السلام ) نفسه في هذا المعنى ::
(أرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا قُتِلنا أم ظفرنا)..(أعيان الشيعة597:1.).
وبهذا المنظار فإن الإنسان الذي يتّبع الحقّ ويضحي في سبيل الله ودينه فهو منتصر على الدوام وينال إحدى الحسنيين. وكل من يتنكب عن مناصرة الحقّ فهو ليس بمنتصر ولا غانم حتّى وإن خرج سالماً. وقد صرح سيّد الشهداء(عليه السلام ) بهذا في كتابه إلى بني هاشم والّذي جاء فيه:
(من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنّا لم يبلغ الفتح) ..(كامل الزيارات:75.).
النصر العسكري يزول عادة بنصر عسكري آخر. لكن الانتصار المبدئي ولا سيما إذا اقترن بالتضحية العظمى والمظلومية، يبقى حياً في الضمير الإنساني، ويجد على الدوام أنصاراً ومؤيدين له على مر الأجيال. وهذا الفهم، وهذه الرؤية بالنسبة للفتح تجعل الإنسان المجاهد والمكافح أكثر أملاً واندفاعاً ونشاطاً. ويرفعون الرايات المعطرة بدمائهم الزكية الطاهرة ... ويرسمون معالم الطريق، عبروا إلى جوار ربهم وقد أدّوا الأمانة دفاعاً عن الحق وإمام الحق ، إن من يريد الشهادة فهو قطعا يسعى لإحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة، وكأنه يردد قول الله تعالى « فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون»، وقد أكرمه الله بها ليأخذ مكانه بين أسلافه الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لتكون كلمة الله هي العليا
قال أحد العلماء في هذا الصدد:
(الشعب الذي سعادته في الشهادة شعب منتصر، ونحن منتصرون سواء قتلنا أم قُتلنا…)
(صحيفة النور 65:13.).
قال تعالى:
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين )..صدق الله العلي العظيم ...