السيرة المحمّدية دراسة تحليليَّة للسيرة المحمّدية على ضوء الكتاب والسُّنّة والتاريخ الصحيح الاَُستاذ المحقّق الشيخ جعفر السبحاني ج4

( 43 )5. زواجه (صلى الله عليه وآله وسلم)


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في هذا الوقت، فكّر (صلى الله عليه وآله وسلم) جدياً في أن يتّخذ شريكة
لحياته ويكوّن أُسرة، فكيف وقع اختياره على السيدة خديجة التي رفضت كلّ مَن
تقدّم إليها من كبار الشخصيات القرشية، أمثال: عقبة بن أبي معيط، وأبي جهل،
وأبي سفيان؟ وكيف أدّى الارتباط بينهما والعلاقة العميقة و الاَُلفة والمحبة، إلى
درجة أنّها وهبت كلّ ثروتها للنبيحتى ينفقها في نشر الاِسلام؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كانت السيدة خديجة من خيرة نساء قريش شرفاً وأقواهن عقلاً وأكثرهن
فهماً، وقد قيل لها: سيدة قريش، وسمّيت الطاهرة لشدة عفافها، وذلك في أيّام
الجاهلية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وحين رفضت الزواج من سادة القوم قَبِلت بسيد البشر لما عرفت عنه من
كرم الاَخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة، والصفات العالية. وهي المرأة
الثرية التي وإن عاشت في الترف وأفضل العيش، إلاّ أنّها أصبحت في بيت زوجها
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الزوجة المطيعة الخاضعة الوفية المخلصة، و
سارعت إلى قبول دعوته واعتناق دينه بوعي وبصيرةٍ، مع علمها بما ينطوي ذلك
على مخاطر ومتاعب. ثمّ جعلت كلَّ ثروتها ومالها في خدمة العقيدة والمبدأ،
مشاطرة زوجها بذلك آلامَه ومتاعبَه ، وراضية بمرارة الحصار في شعب أبي طالب
ثلاث سنوات، وهي في سن الرابعة والستين.⁽¹⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقد بلغ من خضوعها للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبها له، أنّها
بعد أن تم الزواج بينهما قالت له: إلى بيتك، فبيتي بيتك وأنا جاريتك.⁽²⁾

____________

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 1 . شرح نهج البلاغة: 14|59.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 2 . بحارالاَنوار: 16|4.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 44 )
ويوَكد الموَرّخون أنّها هي التي اقترحت على النبيالزواج، وكما يعتقد أكثر
الموَرّّخين، أنّ «نفيسة بنت عليّة» بلّغت رسالتها إلى النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» الذي تقبّل عرضها، فأخبرت السيدة خديجة بذلك، فأرسلت بوكيلها
«عمرو بن أسد» لتحديد ساعة مراسم الخطبة في محضر الاَقارب.⁽¹⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فشاور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعمامه وعلى رأسهم «أبو
طالب»الذي خطب في القوم يمدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطلب
الزواج له من السيدة خديجة قائلاً: «وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، والصداق
ما سألتم عاجله وآجله من مالي، ومحمّد من قد عرفتم قرابتَه».
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ثمّ أجرى عقد النكاح، ومهرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 400 دينار،
وقيل أصدقها عشرين بكرة.⁽²⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وكان عمرها في هذا الوقت أربعين عاماً، إذ أنّها وُلدت قبل عام الفيل
بخمسة عشر عاماً، كما جاء عنها أنّها تزوجت قبل النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» برجلين، أوّلهما: «عتيق ابن عائذ»، ثمّ بعده: «أبو هالةالتميمي». وقد توفي
كلٌّ منهما بعد زواجه منها.⁽³⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقد تميّزت السيدة خديجة من نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه
لم يتزوّج عليها مدّة حياتها، وبلغت لديه مالم تبلغه امرأة قطّمن زوجاته.⁽⁴⁾ وممّا
يدل على سموّ مقامها وعلوّمنزلتها، أنّ أهل البيت «عليهم السلام» طالماً افتخروا
بأنّخديجة منهم، وإنّهم من خديجة، فكانوا يعتزون بها ويشيدون بمكانتها.
فالسيدة خديجة (عليها السلام) هي مثال الشرف والعقل، والحبّ العميق للرسول

____________

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 1 . تاريخ الخميس:1|264.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 2 . السيرة الحلبية:1|139.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 3 . الاستغاثة:1|70.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 4 . السيرة الحلبيّة: 1|169.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 45 )
(صلى الله عليه وآله وسلم) والوفاء والاِخلاص، والتضحية بالغالي والنفيس في
سبيل الاِسلام الحنيف، فهي أوّل من آمنت باللّه ورسوله،وصدقت محمّداً «صلى
الله عليه وآله وسلم» وآزرته، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسمع من
المشركين شيئاً يكرهه، من إيذاء وتكذيب، إلاّوفرّج اللّه عنه بخديجة التي خفّفت
عنه، بلطفها وعطفها وعنايتها به في غاية الإخلاص والود.⁽¹⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لقد اكتسبت السيدة خديجة بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمّدية،
وتفانيها في سبيل الاِسلام، وحرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة، مكانةً
ساميةً في الاِسلام، حتى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذَكَرَها في أحاديثه
الكثيرة، وأشاد بفضلها ومكانتها وشرفها، وذلك لاِلفات نظر المرأة المسلمة إلى
القدوة التي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات
والحالات، بالاِضافة إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة ـ و هي نصف المجتمع ـ من
دعم جدّىٍّ للرسالة، مادياً كان أم معنوياً.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومن أشهر الاَحاديث التي نُقلت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه
قال عنها:«أتاني جبرائيل (عليه السلام) فقال يا رسول اللّه، إذا أتتك خديجة فاقرأ
عليها السلام من ربها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا
نصب».⁽²⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقال عنها (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها،
آمنَت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواسَتْني في مالها إذ حَرمني
الناس، ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرَمَني أولاد النساء».⁽³⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كما روى أنس بن مالك، أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى بهدية

____________

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 1 . أعلام النساء:1|328.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 2 . صحيح مسلم:7|133؛ مستدرك الحاكم:3|184.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 3 . أُسد الغابة:5|438؛ صحيح مسلم:7|134؛ صحيح البخاري: 5|39.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 46 )
قال:« اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنّها كانت صديقة لخديجة، إنّها كانت تحبّ
خديجة».⁽¹⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كما قال عنها الاِمام علي (عليه السلام) : «كنتُ أوّل من أسلم، فمكثنا بذلك
ثلاث حِجَج وما على الاَرض خلق يصلّي ويشهد لرسول اللّه «صلى الله عليه وآله
وسلم» بما أتاه، غيري، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه، وقد فَعَلَ».⁽²⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقد تحدّث عنها أيضاً الكثير من الشخصيات الاِسلامية المتقدمة
والمتأخرة، فقد ذكر عنها «محمد بن إسحاق»: «إنّ خديجة بنت خويلد وأبا طالب،
ماتا في عام واحد، فتتابع على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) هلاك
خديجة وأبي طالب، وكانت خديجة وزيرة صدق على الاِسلام، وكان رسول اللّه
يسكُن إليها».⁽³⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ولكلّ ذلك، فإنّ وفاتها كانت من أعظم المصائب التي أحزنت الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا دفعه أن يسمّي العام الذي توفّي فيه ناصراه
وحامياه ورفيقا آلامه ـ: زوجته خديجة، وعمّه الموَمن الصامد أبو طالب ـ بعام
الحداد أو عام الحزن . فينزل عند دفنها في حفرتها، ويُدخلُها القبر بيده في
الحجون، فيلزم بيته و يقل الخروج.⁽⁴⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]6. أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
لقد أنجبت خديجة لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة من الاَولاد،
اثنين من الذكور، أكبرهما القاسم وعبداللّه، وأربعة من الاِناث. وذكر ابن هاشم، انّ
أكبر بناته: رقية ثمّزينب ثمّ أُم كلثوم ، ثمّفاطمة، وكلّهن أدركنَ الاِسلام، أمّا الذكور
فقد ماتوا قبل البعثة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

____________

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 1 . سفينة البحار:1|380.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 2 . شرح نهج البلاغة:14|59.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 3 . بحارالاَنوار:16|10.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 4 . تاريخ اليعقوبي:2|35؛ تاريخ الخميس: 1|301؛السيرة الحلبية: 1|346.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 47 )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تبنّي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لزيد بن حارثة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كان ممّن سباه العرب من حدود الشام وباعوه في أسواق مكة رقيقاً لاَحد
أقرباء السيدة خديجة ويدعى حكيم بن حزام. وقد أحبه النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» لذكائه وطهره،فوهبته خديجة له، حينما تزوّجت به «صلى الله عليه وآله
وسلم» ، إلاّ أنّ أباه حارثة الذي كان يبحث عنه لقيه عند النبي «صلى الله عليه وآله
وسلم» فطلبه منه، الاَمر الذي جعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخيّره بين
المقام معه (صلى الله عليه وآله وسلم) والرحيل إلى وطنه، فاختار المقام مع
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أخرجه إلى الحجر الاَسود وأعتقه ثمّ
تبناه أمام الملاَ قائلاً: «يامن حضر اشهدوا أنّزيداً ابني».⁽¹⁾
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
____________

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 1 . الاِصابة في تمييز الصحابة:1|545؛ الكامل في التاريخ:2|225.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 48 )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 49 )الفصل الثالث

البعثة النبوية


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ـ الحالة الدينية في الجزيرة العربية عند البعثة النبوية
ـ إيمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآباوَه وكفلاوَه قبل الاِسلامـ الوحيـ الموَمنون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والدين الاِسلاميـ دعوة الاَقربينـ الدعوة العامةـ الاَساليب الفاشلة أمام نجاح الدعوة الجديدة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

---

( 50 )

---

( 51 )1.الحالة الدينية في الجزيرة العربية
إلى جانب عبادة الاَصنام والاَوثان، ظهرت جماعة من العرب، أنكروا
عقائدها الباطلة، واستاءوا من دينها، كما كان اليهود يتوعّدون أهل الاَصنام بالنبي
قائلين: ليخرجن نبي فليكسّرن أصنامكم. وجاء أيضاً أنّ الاَحبار من اليهود
والرهبان من النصارى والكهّان من العرب، قد تحدّثوا بأمر رسول اللّهقبل مبعثه.
وظهر كذلك من انتقد عبادتهم من فئة العقلاء وأصحاب الفكر الثاقب، فكان ذلك
بمثابة جرس إنذار باقتراب سقوط دولة الوثنيّين وانقراضها واشتهر من هوَلاء بين
العرب أربعة:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1. ورقةبن نوفل، الذي اختار النصرانية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
2.عبيد اللّه بن جحش، الذي أسلم عند ظهور الاِسلام.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
3.عثمان بن الحويرث، الذي تنصّر عند ملك الروم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
4.زيد بن عمرو بن نفيل، الذي قال: أعبد رب إبراهيم.⁽¹⁾
____________

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 1 . السيرة النبوية:1|225.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]